الشارقة.. تجربتنا الملهمة
مقالة رأي بقلم الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي رئيس مجلس الشارقة للإعلام
لطالما قدم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة - قدوتنا في الاتصال الحكومي- وصفته للنجاح والتميز في العمل الحكومي، التي تبدأ بالمصداقية وتنطلق من الإنسان وتهتم بتفاصيل حياته دون أن نغفل دور القيادة في تطوير العمل المؤسسي، بما ينعكس على ثقة الجمهور وصولاً إلى تجربة ملهمة تحظى بمصداقية اقتصادية وثقافية واجتماعية عالمية، تستحق ثقة مواطنيها وساكنيها من مختلف الجنسيات.
إن الاتصال الناجح هو نتاج جملة من النجاحات السابقة، لذا لا يمكن الفصل بين الاتصال والمنجزات، فكل منهما يدعم الآخر ويمنحه مصداقيته، وهذا هو الحال في إمارة الشارقة، نجاح يُترجم بقول يتحول إلى فعل، وكل هذا بفضل رؤية قيادة لا ترى عن النجاح بديلاً إلا العمل الجاد لتحقيقه.
ولعل أهم ما يميز تجربة الشارقة هو العمل بمبدأ تراكم المنجزات، كل مرحلة تؤسس لما بعدها وتستمر معها، وكل خطوة تسبقها رؤية وخطة وأهداف محددة، وكل مبادرة تهدف إلى خلق مناخ يسمح بإطلاق مبادرات أخرى أكثر تطوراً وتخصصاً، وهو ما ترجمته الألقاب التي حصلت عليها الإمارة والتصنيف الائتماني عالي الجودة لاقتصادها، وثقة العالم بمنجزاتها الثقافية، فهذا العام تتوشح شارقتنا بلقب العاصمة العالمية للكتاب، اللقب الثقافي الأرفع من نوعه، بعد أن حققت القابها عاصمة للثقافة العربية والإسلامية فأي تجربة يمكنها أن تمنح المؤسسات سبباً قوياً للنجاح والتفوق في خطابها أكثر من تجربة الإمارة ذاتها؟.
وبالخوض في أسباب نجاح هذه التجربة خاصةً فيما يتعلق بمصداقية خطابها نجد أن الخطاب يستند دوماً إلى ثلاث قواعد، الأولى: هي الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، حيث باتت الشارقة الإمارة الصحية وجهة للعائلات، وصديقة للأطفال واليافعين ولذوي الإعاقة الحركية والبتر ومراعية للسن، أي أنها حاضنة اجتماعية لكل من يدخلها ويسكنها مهما كانت ظروفه.
والقاعدة الثانية هي انسجام مبادراتها- دائماً وبدون أي استثناء- مع مصلحة مواطنيها والساكنين على أرضها والمستثمرين في اقتصادها، هذا الانسجام طرح نموذجاً إقليمياً وعالمياً عن الوظيفة الحقيقية للاقتصاد ألا وهي تحقيق مصالح الناس وتمكينهم من الارتقاء الدائم في مستوى وشكل وجودهم الاجتماعي ووظيفتهم الإنسانية.
أما القاعدة الثالثة فهي أن الخطاب الرسمي للإمارة دائماً ما يستند إلى رؤية بعيدة المدى تفتح أفاقاً واسعةً للعمل والشراكة بين مكونات المجتمع من ناحية والمؤسسة الرسمية من ناحية ثانية، ولم يكن أبداً خطاباً آنياً يعالج قضايا مرحلة بعنيها ويترك للصدفة قضايا المرحلة التي تليها. ومن مزايا الرؤية الواضحة في الخطاب، أنها تشكل مقياساً لحوكمته ومراجعته على أساس النتائج التي يحققها، وهذا يشكل لخبراء الاتصال إضافة نوعية على منظومة الحوكمة بحيث تشمل حوكمة الرؤية إلى جانب حوكمة الممارسة والنظم والتشريعات.
هذه القواعد الثلاث تشكل بلا شك درساً في غاية الأهمية لكل مؤسسة تسعى إلى خلق تفاعل بينها وبين الجمهور وبناء علاقة قوية دائمة معه، ولا نجافي الحقيقة إذا قلنا إن هذا الدرس امتياز إماراتي، وليس متاحاً لكافة المؤسسات في العالم، فبعضها يعمل في بيئة تفتقر إلى تجارب ملهمة، ويكافح من أجل بناء تجربته الخاصة.
إن النجاح يعني تطوير التجارب السابقة ونقلها إلى مراحل أكثر تقدماً، ويعني أن تسعى كل مؤسسة إلى تحقيق سبق خاص بها يمنحها هويتها ويرسخ جسر تواصلها مع الجمهور، بل يمكن القول إن العمل في بيئة ناجحة أكثر تحدياً ومنافسةً من العمل في بيئة تفتقر إلى النجاح، بحيث تصبح أي إضافةٍ -مهما كانت متواضعة- سبقاً عظيماً.
هكذا نقرأ مسيرة إمارة الشارقة، وهكذا نربط بين النجاح ومصداقية الخطاب، إنها تجربتنا الملهمة في كل شيء، ومن يقرأها بوعي سيصل إلى غايته حتماً.